فصل: باب الوتر والنوافل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الوتر والنوافل

الوتر بفتح الواو وكسرها‏:‏ ضد الشفع‏.‏ والنوافل جمع نافلة‏.‏ والنفل في اللغة‏:‏ الزيادة‏.‏ وفي الشريعة زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا ط ‏(‏قوله كل سنة نافلة‏)‏ قدمنا قبل هذا الباب في آخر المكروهات تقسيم السنة إلى مؤكدة وغيرها، وبسطنا ذلك أيضا في سنن الوضوء، والكل يسمى نافلة لأنه زيادة على الفرض لتكميله، ومراده الاعتذار عن ترك التصريح بالسنن في الترجمة مع أن الباب معقود لبيانها أيضا‏.‏ ‏(‏قوله ولا عكس‏)‏ أي لغويا لأن الفقيه بمعزل عن النظر إلى القواعد المنطقية، فالمراد‏:‏ وليس كل نافلة سنة، فإن كل صلاة لم تطلب بعينها نافلة وليست بسنة، بخلاف ما طلبت بعينها كصلاة الليل والضحى مثلا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله هو فرض عملا‏)‏ أي يفترض عمله أي فعله بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل فيأثم بتركه ويفوت الجواز بفوته، ويجب ترتيبه وقضاؤه ونحو ذلك؛ فقوله عملا تمييز محول عن الفاعل‏.‏

مطلب في الفرض العلمي والعملي والواجب

واعلم أن الفرض نوعان‏:‏ فرض عملا وعلما، وفرض عملا فقط‏.‏ فالأول كالصلوات الخمس فإنها فرض من جهة العمل لا يحل تركها ويفوت الجواز بفوتها؛ بمعنى أنه لو ترك واحدة منها لا يصح فعل ما بعدها قبل قضاء المتروكة، وفرض من جهة العلم والاعتقاد؛ بمعنى أنه يفترض عليه اعتقادها حتى يكفر بإنكارها والثاني كالوتر لأنه فرض عملا كما ذكرناه وليس بفرض علما‏:‏ أي لا يفترض اعتقاده، حتى إنه لا يكفر منكره لظنية دليله وشبهة الاختلاف فيه، ولذا يسمى واجبا؛ ونظيره مسح ربع الرأس، فإن الدليل القطعي أفاد أصل المسح‏.‏ وأما كونه قدر الربع فإنه ظني، لكنه قام عند المجتهد ما رجح دليله الظني حتى صار قريبا من القطعي فسماه فرضا أي عمليا، بمعنى أنه يلزم عمله، حتى لو تركه ومسح شعرة مثلا يفوت الجواز به وليس فرضا علما، حتى لو أنكره لا يكفر بخلاف ما لو أنكر أصل المسح‏.‏ وبه علم أن الواجب نوعان أيضا لأنه كما يطلق على هذا الفرض الغير القطعي يطلق على ما هو دونه في العمل وفوق السنة وهو ما لا يفوت الجواز بفوته كقراءة الفاتحة، وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين، وأكثر الواجبات من كل ما يجبر بسجود السهو‏.‏ وقد يطلق الواجب أيضا على الفرض القطعي كما قدمناه عن التلويح في بحث فرائض الوضوء فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله وواجب اعتقادا‏)‏ أي يجب اعتقاده وظاهر كلامهم أنه يجب اعتقاد وجوبه إذ لو لم يجب عليه اعتقاد وجوبه لما أمكن إيجاب فعله، لأنه لا يجب فعل ما لا يعتقده واجبا، ولذا أشكل قولهما بسنيته ووجوب قضائه كما يأتي‏.‏ ويدل عليه أيضا قول الأصوليين في الواجب إن حكمه اللزوم عملا لا علما على اليقين؛ فقولهم على اليقين يفيد أن حكمه اللزوم عملا وعلما على الظن، فيلزمه أن يعلم ظنيته‏:‏ أي أنه واجب وإلا لغا قولهم على اليقين، وحينئذ فيشكل قول الزيلعي‏:‏ إن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي، إلا أن يجاب بأن المراد ليس بفرض، حتى لو لم يعتقد وجوبه لا يكفر لأن الوجوب يطلق بمعنى الفرض أيضا كما مر فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وسنة ثبوتا‏)‏ أي ثبوته علم من جهة السنة لا القرآن وهي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني، قاله ثلاثا» رواه أبو داود والحاكم وصححه وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أوتروا قبل أن تصبحوا» رواه مسلم والأمر للوجوب، وتمامه في شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله بين الروايات‏)‏ أي الثلاث المروية عن أبي حنيفة فإنه روي عنه أنه فرض وأنه واجب وأنه سنة، والتوفيق أولى من التفريق، فرجع الكل إلى الوجوب الذي مشى عليه في الكنز وغيره‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو آخر أقوال الإمام، وهو الصحيح محيط والأصح خانية، وهو الظاهر من مذهبه مبسوط‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا، لكنها آكد سائر السنن المؤقتة‏.‏ ‏(‏قوله وعليه إلخ‏)‏ أي على ما ذكر من التوفيق؛ فإنه لو حملت رواية الفرض على ظاهرها لزم إكفار جاحده؛ ولو حملت رواية الواجب على ظاهرها، وهو كون المراد بالواجب ما يتبادر منه، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته ولا يعامل معاملة الفرض لزم أن لا يفسد الفجر بتذكره ولا عكسه‏.‏ ولو حملت رواية السنة على ظاهرها لزم أن لا يقضي وأن يصح قاعدا وراكبا؛ ففي تفريع المصنف لف ونشر مرتب فافهم‏.‏ ‏(‏قوله فلا يكفر جاحده‏)‏ أي جاحد أصل الوتر اتفاقا لأن عدم الإكفار لازم السنية والوجوب كما صرح به في فتح القدير ح‏.‏ قلت‏:‏ والمراد الجحود مع رسوخ الأدب، كأن يكون لشبهة دليل أو نوع تأويل، فلا ينافيه ما يأتي من أنه لو ترك السنن فإن رآها حقا أثم وإلا كفر لأنهم عللوه بأنه ترك استخفافا كما عزاه في البحر إلى التجنيس والنوازل والمحيط، ولقوله في شرح المنية‏:‏ ولا يكفر جاحده إلا إن استخف ولم يره حقا على المعنى الذي مر في السنن ا هـ‏.‏ وأراد بما مر، هو أن‏:‏ يقول هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا لا أفعله‏.‏

مطلب في منكر الوتر والسنن أو الإجماع

ثم اعلم أنه قال في الأشباه‏:‏ ويكفر بإنكار أصل الوتر والأضحية ا هـ‏.‏ ومثله في القنية، ومفهومه أن المراد هنا جحود وجوبه، ويؤيده تعليل الزيلعي بثبوته بخبر الواحد، فإن الثابت بخبر الواحد وجوبه لا أصل مشروعيته، بل هي ثابتة بإجماع الأمة ومعلومة من الدين ضرورة‏.‏ وقد صرح بعض المحققين من الشافعية بأن من أنكر مشروعية السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر لأنها معلومة من الدين بالضرورة وسيأتي في سنن الفجر أنه يخشى الكفر على منكرها‏.‏ قلت‏:‏ ولعل المراد الإنكار بنوع تأويل وإلا فلا خلاف في مشروعيتها‏.‏ وقد صرح في التحرير في باب الإجماع بأن منكر حكم الإجماع القطعي يكفر عند الحنفية وطائفة‏.‏ وقالت طائفة لا، وصرح أيضا بأن ما كان من ضروريات الدين وهو ما يعرف الخواص والعوام أنه من الدين كوجوب اعتقاد التوحيد والرسالة والصلوات الخمس وأخواتها يكفر منكره، وما لا فلا؛ كفساد الحج بالوطء قبل الوقوف، وإعطاء السدس الجدة ونحوه أي مما لا يعرف كونه من الدين إلا الخواص‏.‏ ولا شبهة أن ما نحن فيه من مشروعية الوتر ونحوه يعلم الخواص والعوام أنها من الدين بالضرورة فينبغي الجزم بتكفير منكرها ما لم يكن عن تأويل بخلاف تركها، فإنه إن كان عن استخفاف كما مر يكفر وإلا بأن يكون كسلا أو فسقا بلا استخفاف فلا‏.‏ هذا ما ظهر لي، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله مفسد له‏)‏ أي للفجر والفجر غير قيد، بل هو مثال‏.‏ ‏(‏قوله كعكسه‏)‏ وهو تذكر الفرض فيه ح ‏(‏قوله بشرطه‏)‏ وهو عدم ضيق الوقت وعدم صيرورتها ستا، وأما عدم النسيان فلا يصح هنا لأن فرض المسألة فيما إذا تذكره في الفجر، أو تذكر الفجر فيه رحمتي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ فلا يحكمان بالفساد لأنه سنة عندهما ط‏.‏ ‏(‏قوله ولكنه يقضي‏)‏ لا وجه للاستدراك على قول الإمام، وإنما أتى به نظرا إلى قوله اتفاقا بعد حكايته الخلاف فيما قبله‏:‏ أي إنه يقضي وجوبا اتفاقا، أما عنده فظاهر؛ وأما عندهما وهو ظاهر الرواية عنهما فلقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره» كما في البحر عن المحيط‏.‏ واستشكله في الفتح والنهر بأن وجوب القضاء فرع وجوب الأداء‏.‏ وأجاب في البحر بما ذكر عن المحيط‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى ما فيه، فإن دلالة الحديث على وجوب القضاء مما يقوي الإشكال، إلا أن يجاب بأنهما لما ثبت عندهما دليل السنية قالا به، ولما ثبت دليل القضاء قالا به أيضا اتباعا للنص وإن خالف القياس‏.‏ ‏(‏قوله ولا يصح إلخ‏)‏ لأن الواجبات لا تصح على الراحلة بلا عذر‏.‏ وعندهما وإن كان سنة، لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنه كان يتنفل على راحلته من غير عذر في الليل، وإذا بلغ الوتر نزل فيوتر على الأرض» بحر عن المحيط، والقعود كالركوب ‏(‏قوله اتفاقا‏)‏ راجع للمسائل الثلاث ح وإنما الخلاف في خمس‏:‏ في تذكره في الفرض، وعكسه، وفي قضائه بعد طلوع الفجر، وصلاة العصر، وإعادته بفساد العشاء خزائن؛ أي فإنه على القول بسنيته لا يلزم فساد الفرض ولا فساده بالتذكر، ولا يقضي في الوقتين المذكورين، ويعاد لو ظهر فساد العشاء دونه‏.‏

‏(‏قوله كالمغرب‏)‏ أفاد به أن القعدة الأولى فيه واجبة، وأنه لا يصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ط‏.‏ ‏(‏قوله حتى لو نسي‏)‏ تفريع على قوله كالمغرب، ولو كان كالنفل لعاد قبل أن يقيد ما قام إليه بالسجود لأن كل ركعتين من النفل صلاة على حدة ط‏.‏ ‏(‏قوله لا يعود‏)‏ أي إذا استتم قائما لاشتغاله بفرض القيام‏.‏

‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي في باب سجود السهو، لكنه رجح هناك عدم الفساد ونقل عن البحر أنه الحق‏.‏ ‏(‏قوله ولكنه‏)‏ استدراك على ما يتوهم من قوله كالمغرب من أنه لا يقرأ السورة في ثالثته‏.‏ ‏(‏قوله احتياطا‏)‏ أي لأن الواجب تردد بين السنة والفرض؛ فبالنظر إلى الأول تجب القراءة في جميعه، وبالنظر إلى الثاني لا فتجب احتياطا شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله والسنة السور الثلاث‏)‏ أي الأعلى والكافرون والإخلاص، لكن في النهاية أن التعيين على الدوام يفضي إلى اعتقاد بعض الناس أنه واجب وهو لا يجوز، فلو قرأ بما ورد به الآثار أحيانا بلا مواظبة يكون حسنا بحر، وهل ذلك في حق الإمام فقط أو إذا رأى ذلك حتما لا يجوز غيره‏؟‏ قدمنا الكلام فيه قبيل باب الإمامة‏.‏ ‏(‏قوله وزيادة المعوذتين إلخ‏)‏ أي في الثالثة بعد سورة الإخلاص‏.‏ قال في البحر عن الحلية‏:‏ وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين أنكرها الإمام أحمد وابن معين ولم يخترها أكثر أهل العلم كما ذكره الترمذي ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ويكبر‏)‏ أي وجوبا وفيه قولان كما مر في الواجبات، وقدمنا هناك عن البحر أنه ينبغي ترجيح عدمه‏.‏ ‏(‏قوله رافعا يديه‏)‏ أي سنة إلى حذاء أذنيه كتكبيرة الإحرام، وهذا كما في الإمداد عن مجمع الروايات لو في الوقت، أما في القضاء عند الناس فلا يرفع حتى لا يطلع أحد على تقصيره‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في فصل إذا أراد الشروع في الصلاة عند قوله ولا يسن رفع اليدين إلا في سبع‏.‏ ‏(‏قوله ثم يعتمد‏)‏ أي يضع يمينه على يساره كما في حالة القراءة ح‏.‏ ‏(‏قوله وقيل كالداعي‏)‏ أي عن أبي يوسف أنه يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء إمداد‏.‏ والظاهر أنه يبقيهما كذلك إلى تمام الدعاء على هذه الرواية تأمل‏.‏

‏(‏قوله وقنت فيه‏)‏ أي في الوتر أو الضمير إلى ما قبل الركوع‏.‏ واختلف المشايخ في حقيقة القنوت الذي هو واجب عنده؛ فنقل في المجتبى أنه طول القيام دون الدعاء، وفي الفتاوى الصغرى العكس، وينبغي تصحيحه بحر‏.‏ قال في المغرب‏:‏ وهو المشهور، وقولهم دعاء القنوت إضافة بيان ا هـ‏.‏ ومثله في الإمداد‏.‏ ثم القنوت واجب عنده سنة عندهما كالخلاف في الوتر كما في البحر والبدائع، لكن ظاهر ما في غرر الأفكار عدم الخلاف في وجوبه عندنا، فإنه قال‏:‏ القنوت عندنا واجب‏.‏ وعند مالك مستحب‏.‏ وعند الشافعي من الأبعاض‏.‏ وعند أحمد سنة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله ويسن الدعاء المشهور‏)‏ قدمنا في بحث الواجبات التصريح بذلك عن النهر‏.‏ وذكر في البحر عن الكرخي أن القنوت ليس فيه دعاء مؤقت لأنه روي عن الصحابة أدعية مختلفة ولأن المؤقت من الدعاء يذهب برقة القلب‏.‏ وذكر الإسبيجابي أنه ظاهر الرواية‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ المراد ليس فيه دعاء مؤقت ما سوى‏:‏ اللهم إنا نستعينك‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ الأفضل التوقيت ورجحه في شرح المنية تبركا بالمأثور ا هـ‏.‏ والظاهر أن القول الثاني والثالث متحدان، وحاصلهما تقييد ظاهر الرواية بغير المأثور كما يفيده قول الزيلعي‏.‏ وقال في المحيط والذخيرة‏:‏ يعني من غير قوله اللهم إنا نستعينك إلخ واللهم اهدنا إلخ ا هـ‏.‏ فلفظ يعني بيان لمراد محمد في ظاهر الرواية، فلا يكون هذا القول خارجا عنها، ولذا قال في شرح المنية‏:‏ والصحيح أن عدم التوقيت فيما عدا المأثور لأن الصحابة اتفقوا عليه ولأنه ربما يجري على اللسان ما يشبه كلام الناس إذا لم يؤقت ثم ذكر اختلاف الألفاظ الواردة في اللهم إنا نستعينك إلخ‏.‏ ثم ذكر أن الأولى أن يضم إليه اللهم اهدني إلخ وأن ما عدا هذين فلا توقيت فيه، ومنه ما عن ابن عمر ‏"‏ أنه كان يقول بعد عذابك الجد بالكفار ملحق‏:‏ اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم‏.‏ اللهم العن كفرة الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك‏.‏ اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ‏"‏ ومنه ما أخرجه الأربعة وحسنه الترمذي «أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في آخر وتره‏:‏ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك، من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» وغير ذلك من الأدعية التي لا تشبه كلام الناس‏.‏ ومن لا يحسن القنوت يقول‏:‏ ‏{‏ربنا آتنا في الدنيا حسنة‏}‏ الآية‏.‏ وقال أبو الليث يقول‏:‏ اللهم اغفر لي يكررها ثلاثا، وقيل يقول‏:‏ يا رب ثلاثا، ذكره في الذخيرة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هذا يفيد أن ما في البحر من قوله ذكر الكرخي أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ وكذا ذكر في الأصل ا هـ‏.‏ بيان للأفضل، أو هو مبني على القول بأن القنوت الواجب هو طول القيام لا الدعاء تأمل‏.‏ هذا، وذكر في الحلية أن ما مر من أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك» إلخ‏.‏ جاء في بعض روايات النسائي‏:‏ «أنه كان يقوله إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه»‏.‏ ‏(‏قوله وصح الجد‏)‏ قال في الحلية والجد في «إن عذابك الجد‏}‏ ثابت في رواية الطحاوي‏.‏ وفي البحر أنه ثابت في مراسيل أبي داود، وبه اندفع قول الشمني في شرح النقاية إنه لا يقوله‏.‏ ‏(‏قوله وملحق بمعنى لاحق‏)‏ مبتدأ، وخبر وهو بكسر الحاء، هذا هو المشهور ونص غير واحد على أنه الأصح، ويقال بفتحها ذكره ابن قتيبة وغيره‏.‏ ونص الجوهري على أنه صواب، كذا في الحلية‏.‏ قلت‏:‏ بل في القاموس الفتح أحسن، أو الصواب تأمل‏.‏ ‏(‏قوله بمعنى لاحق‏)‏ أي إنه من ألحق المزيد بمعنى لحق المجرد‏.‏ وفي الشرنبلالية أن المطرزي صحح أن المراد ملحق الفساق بالكفار الأول أولى احترازا عن الإضمار، وتمامه فيها‏.‏ قلت‏:‏ ولعل ما صححه المطرزي، وهو صاحب المغرب تلميذ الزمخشري وشيخ صاحب القنية بناه على مذهبهم الفاسد مذهب الاعتزال، من أن عصاة المؤمنين مخلدون في النار كالكفار ‏(‏قوله كأنه لأنه كلمة مهملة‏)‏ كذا في البحر، لكن فيه أنه ورد في ‏{‏صفة البراق له جناحان يحفذ بهما» أي يستعين على السير ط ‏(‏قوله على الأصح‏)‏ كذا في المحيط‏.‏ وفي الهداية أنه المختار، ومقابله ما في الذخيرة واستحسنوا الجهر في بلاد العجم للإمام ليتعلموا، وفصل بعضهم بين أن يعلمه القوم فالأفضل للإمام الإخفاء وإلا فالجهر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا التفصيل لا يخرج عما قبله‏.‏ وفي المنية من اختار الجهر اختاره دون القراءة‏.‏ ‏(‏قوله ولو إماما‏)‏ قال في الخزائن إماما كان أو مؤتما أو منفردا، أداء أو قضاء، في رمضان أو غيره‏.‏ ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ أفاد أن المخافتة ليست واجبة ط

‏(‏قوله ففي غيره أولى‏)‏ وجه الأولوية أن النية متحدة في الفرض والنفل، بخلاف الوتر، فهي فيه مختلفة ط أي لأن إمامه ينويه سنة‏.‏ ‏(‏قوله إن لم يتحقق إلخ‏)‏ فلو رآه احتجم ثم غاب فالأصح أنه يصح الاقتداء به لأنه يجوز أن يتوضأ احتياطا وحسن الظن به أولى بحر عن الزاهدي‏.‏ ‏(‏قوله كما بسطه في البحر‏)‏ حيث ذكر أن الحاصل أنه إن علم الاحتياط منه في مذهبنا فلا كراهة في الاقتداء به وإن علم عدمه فلا صحة، وإن لم يعلم شيئا كره‏.‏

مطلب الاقتداء بالشافعي

ثم قال‏:‏ ظاهر الهداية أن الاعتبار لاعتقاد المقتدي ولا اعتبار لاعتقاد الإمام؛ حتى لو اقتدى بشافعي رآه مس امرأة ولم يتوضأ فالأكثر على الجواز وهو الأصح كما في الفتح وغيره‏.‏ وقال الهندواني وجماعة‏:‏ لا يجوز ورجحه في النهاية بأنه أقيس لأن الإمام ليس بمصل في زعمه وهو الأصل فلا يصح الاقتداء به‏.‏ ورد بأن المعتبر في حق المقتدي رأي نفسه لا غيره، وأنه ينبغي حمل حال الإمام على التقليد لئلا تلزم الحرمة بصلاته بلا طهارة في زعمه إن قصد ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وعلى قول الهندواني يصح الاقتداء وإن لم يحتط‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره الجواز وإن ترك بعض الشروط عندنا، لكن ذكر العلامة نوح أفندي أن اعتبار رأي المقتدي في الجواز وعدمه متفق عليه، وإنما الخلاف المار في اعتبار رأي الإمام أيضا؛ فالحنفي إذا رأى في ثوب إمام شافعي منيا لا يجوز اقتداؤه به اتفاقا، وإن رأى نجاسة قليلة جاز عند الجمهور لا عند البعض لأنها مانعة على رأي الإمام، والمعتبر رأيهما ا هـ‏.‏ وفيه نظر يظهر قريبا‏.‏ هذا وقد بسطنا بقية أبحاث الاقتداء بالمخالف في باب الإمامة‏.‏ ‏(‏قوله بشافعي مثلا‏)‏ دخل فيه من يعتقد قول الصاحبين، وكذا كل من يقول بسنيته‏.‏ ‏(‏قول على الأصح فيهما‏)‏ أي في جواز أصل الاقتداء فيه بشافعي وفي اشتراط عدم فصله، خلافا لما في الإرشاد من أنه لا يجوز أصلا بإجماع أصحابنا لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل، وخلافا لما قاله الرازي من أنه يصح وإن فصله ويصلي معه بقية الوتر لأن إمامه لم يخرج بسلامه عنده وهو مجتهد فيه كما لو اقتدى بإمام قد رعف‏.‏ قلت‏:‏ ومعنى كونه لم يخرج بسلامه أن سلامه لم يفسد وتره لأن ما بعده يحسب من الوتر، فكأنه لم يخرج منه، وهذا بناء على قول الهندواني بقرينة قوله كما لو اقتدى إلخ، ومقتضاه أن المعتبر رأي الإمام فقط، وهذا يخالف ما قدمناه آنفا عن نوح أفندي‏.‏ ‏(‏قوله للاتحاد إلخ‏)‏ علة لصحة الاقتداء‏.‏ ورد على ما مر عن الإرشاد بما نقله أصحاب الفتاوى عن ابن الفضل أنه يصح الاقتداء لأن كلا يحتاج إلى نية الوتر، فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة، واعتبر مجرد اتحاد النية‏.‏ ا هـ‏.‏ واستشكله في الفتح بأنه اقتداء المفترض بالمتنفل وإن لم يخطر بخاطره عند النية صفة السنية أو غيرها، بل مجرد الوتر كما هو ظاهر إطلاق التجنيس لتقرر النفلية في اعتقاده‏.‏ ورده في البحر بما صرح به في التجنيس أيضا من أن الإمام إن نوى الوتر وهو يراه سنة جاز الاقتداء كمن صلى الظهر خلف من يرى أن الركوع سنة، وإن نواه بنية التطوع لا يصح الاقتداء لأنه يصير اقتداء المفترض بالمتنفل ا هـ‏.‏ ولم يذكر الشارح تعليل اشتراط عدم الفصل بسلام اكتفاء بما أشار إليه قبله من أن الأصح اعتبار اعتقاد المقتدي، والسلام قاطع في اعتقاده فيفسد اقتداؤه وإن صح شروعه معه إذ لا مانع منه في الابتداء كما أفاده ح‏.‏ ‏(‏قوله ولذا ينوي‏)‏ أي لأجل الاختلاف المفهوم من قوله وإن اختلف الاعتقاد ط‏.‏ ‏(‏قوله لا الوتر الواجب‏)‏ الذي ينبغي أن يفهم من قولهم إنه لا ينوي أنه واجب أنه لا يلزمه تعيين الوجوب لا منعه من ذلك لأنه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده، وإن كان غيره فلا تضره تلك النية بحر‏.‏ ‏(‏قوله للاختلاف‏)‏ أي في الوجوب والسنية، وهو علة للعيدين فقط، وعلة الوتر قدمها بقوله ولذا لو حذف هذا ما ضر لفهمه من الكاف ط‏.‏ ‏(‏قوله ويأتي المأموم إلخ‏)‏ هذا من المسائل الخمس الآتية التي يفعلها المؤتم إن فعلها الإمام، وما مشى عليه المصنف تبعا للكنز هو المختار كما في البحر عن المحيط‏.‏ وعبارة المحيط كما في الحلية قال أبو يوسف‏:‏ يسن أن يقرأ المقتدي أيضا، وهو المختار، لأنه دعاء كسائر الأدعية‏.‏ وقال محمد‏:‏ لا يقرأ بل يؤمن لأن له شبهة القرآن احتياطا ا هـ‏.‏ وهو صريح في أنه سنة للمقتدي لا واجب، إلا أن يكون مبنيا على ما مر عن البحر من أن القنوت سنة عندهما‏.‏ ‏(‏قوله ولو بشافعي إلخ‏)‏ أي ويقنت بدعاء الاستعانة لا دعاء الهداية الذي يدعو به إمامه لأن المتابعة في مطلق القنوت لا في خصوص الدعاء كما حرره الشيخ أبو السعود عن الشيخ عبد الحي وإن توقف فيه في الشرنبلالية ‏(‏قوله لأنه مجتهد فيه‏)‏ قدمنا معنى هذا عند قوله في آخر واجبات الصلاة ومتابعة الإمام، يعني في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته كقنوت فجر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا هناك من أمثلة المجتهد فيه سجدتا السهو قبل السلام، وما زاد على الثلاث في تكبيرات العيد وقنوت الوتر بعد الركوع‏.‏ والظاهر أن المراد من وجوب المتابعة في قنوت الوتر بعد الركوع المتابعة في القيام فيه لا في الدعاء إن قلنا إنه سنة للمقتدي لا واجب ‏(‏قوله لأنه منسوخ‏)‏ فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة حيث لا يتابعه في الخامسة بحر‏.‏ ‏(‏قوله بل يقف‏)‏ وقيل يقعد، وقيل يطيل الركوع، وقيل يسجد إلى أن يدركه فيه شرنبلالية ‏(‏قوله مرسلا يديه‏)‏ لأن الوضع سنة قيام طويل فيه مسنون، وهذا الذكر ليس بمسنون عندنا‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الهداية‏:‏ دلت المسألة على جواز الاقتداء بالشافعية، وإذا علم المقتدى منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزيه انتهى‏.‏ ووجه دلالتها أنه لو لم يصح الاقتداء لم يصح اختلاف علمائنا في أنه يسكت أو يتابعه بحر‏.‏

‏(‏قوله لفوات محله‏)‏ لأنه لم يشرع إلا في محض القيام فلا يتعدى إلى ما هو قيام من وجه دون وجه وهو الركوع‏.‏ وأما تكبيرة العيد فإنه إذا تذكرها فيه يأتي بها فيه لأنها لم تختص بمحض القيام لأن تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط، وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة، فإذا جاز واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بالأولى بحر‏.‏ أقول‏:‏ وهو مأخوذ من الحلية، وأصله في البدائع، لكن ما ذكره من أنه يأتي بتكبيرات العيد في الركوع وإن صرح به في البدائع والذخيرة وغيرهما مخالف لما صرح به صاحب البدائع نفسه في فصل العيد من أن الإمام لو تذكر في ركوع الركعة الأولى أنه لم يكبر فإنه يعود ويكبر وينتقض ركوعه ولا يعيد القراءة، بخلاف المقتدي لو أدرك الإمام في الركوع وخاف فوت الركعة فإنه يركع ويكبر فيه‏.‏ والفرق أن محل التكبيرات في الأصل القيام المحض، ولكن ألحقنا الركوع بالقيام في حق المقتدي لضرورة وجوب المتابعة ا هـ‏.‏ فانظر إلى ما بين الكلامين من التدافع، وعلى ما ذكره في البدائع ثانيا مشى في شرح المنية‏.‏ ثم فرق بين التكبير حيث يرفض الركوع لأجله وبين القنوت بكون تكبير العيد مجمعا عليه دون القنوت‏.‏ وأقول‏:‏ قد صرح في الحلية من باب صلاة العيد، بأن ما في البدائع ثانيا رواية النوادر وأن ظاهر الرواية أنه لا يكبر ويمضي في صلاته، وصرح بذلك في البحر أيضا هناك؛ وعليه فلا إشكال أصلا، إذ لا فرق بينه وبين القنوت فافهم، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ولا يعود إلى القيام‏)‏ إن قلت‏:‏ هو وإن لم يقنت فقد حصل القيام برفع رأسه من الركوع‏.‏ قلنا هذه قومة لا قيام فيكون عدم العود إلى القيام كناية عن عدم القنوت بعد الركوع لأن القيام لازم القنوت ملزوم، فأطلق اللازم لينتقل منه إلى الملزوم ح ‏(‏قوله لأن فيه رفض الفرض للواجب‏)‏ يعني وهو مبطل للصلاة على قول، وموجب للإساءة على قول آخر‏.‏

والحق الثاني كما يأتي في باب سجود السهو ح‏.‏ ‏(‏قوله لكون ركوعه بعد قراءة تامة‏)‏ أي فلم ينتقض ركوعه، بخلاف ما لو تذكر الفاتحة أو السورة حيث يعود وينتقض ركوعه لأن بعوده صارت قراءة الكل فرضا والترتيب بين القراءة والركوع فرض فارتفض ركوعه، فلو لم يركع بطلت، ولو ركع وأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا لتلك الركعة بحر ملخصا‏:‏ أي لأن الركوع الثاني هو المعتبر لارتفاض الأول بالعود إلى القراءة بخلاف العود إلى القنوت؛ حتى لو عاد وقنت ثم ركع فاقتدى به رجل لم يدرك الركعة لأن هذا الركوع لغو؛ وما نقله ح عن البحر وتبعه ط فيه اختصار محل فافهم وقدمنا في فصل القراءة بيان كون القراءة تقع فرضا بالعود فراجعه‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

ترك السورة دون الفاتحة وقنت ثم تذكر يعود ويقرأ السورة ويعيد القنوت والركوع معراج وخانية وغيرهما ‏(‏قوله لزواله عن محله‏)‏ تعليل لما فهم قبله من الصور الأربع؛ وهي ما لو قنت في الركوع أو بعد الرفع منه وأعاد الركوع أولا وما إذا لم يقنت أصلا كما حققه ح ‏(‏قوله قطعه وتابعه‏)‏ لأن المراد بالقنوت هنا الدعاء الصادق على القليل والكثير، وما أتى به منه كاف في سقوط الواجب، وتكميله مندوب والمتابعة واجبة فيترك المندوب للواجب رحمتي‏.‏ ‏(‏قوله ولو لم يقرأ إلخ‏)‏ أي لو ركع الإمام ولم يقرأ المقتدي شيئا من القنوت إن خاف فوت الركوع يركع وإلا يقنت ثم يركع خانية وغيرها، وهل المراد ما يسمى قنوتا أو خصوص الدعاء‏؟‏ المشهور والظاهر الأول‏.‏ ‏(‏قوله بخلاف التشهد‏)‏ أي فإن الإمام لو سلم أو قام للثالثة قبل إتمام المؤتم التشهد فإنه لا يتابعه بل يتمه لوجوبه كما قدمه في فصل الشروع في الصلاة ‏(‏قوله لأن المخالفة إلخ‏)‏ هذا التعليل عليل لاقتضائه فرضية المتابعة المذكورة وقدمنا عن شرح المنية أن متابعة الإمام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة ما لم يعارضها واجب، فلا يفوته بل يأتي به ثم يتابعه، بخلاف ما إذا عارضها سنة لأن ترك السنة أولى من تأخير الواجب، وهذا موافق لما قدمناه آنفا، وحينئذ فوجه الفرق بين القنوت والتشهد هو أن قراءة المقتدي القنوت سنة كما قدمنا التصريح به عن المحيط، والمتابعة في الركوع واجبة؛ فإذا خاف فوتها يترك السنة للواجب‏.‏ وأما التشهد فإتمامه واجب لأن بعض التشهد ليس بتشهد فيتمه وإن فاتت المتابعة في القيام أو السلام لأنه عارضها واجب تأكد بالتلبس به قبلها فلا يفوته لأجلها وإن كانت واجبة‏.‏ وقد صرح في الظهيرية بأن المقتدي يتم التشهد إذا قام الإمام إلى الثالثة وإن خاف أن تفوته معه، وإذا قلنا إن قراءة القنوت للمقتدي واجبة، فإن كان قرأ بعضه حصل المقصود به لأن بعض القنوت قنوت، وإلا فلم يتأكد وتترجح المتابعة في الركوع للاختلاف في أن المقتدي هل يقرأ القنوت أم يسكت‏؟‏ فافهم

‏(‏قوله في ثانيته أو ثالثته‏)‏ وكذا لو شك أنه في الأولى أو الثانية أو الثالثة بحر‏.‏ ‏(‏قوله كرره مع القعود‏)‏ أي فيقنت ويقعد في الركعة التي حصل فيها الشك لاحتمال أنها الثالثة، ثم يفعل كذلك في التي بعدها لاحتمال أنها هي الثالثة وتلك كانت ثانية‏.‏ ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ وقيل لا يقنت في الكل لأن القنوت في الركعة الأولى أو الثانية بدعة‏.‏ ووجه الأول أن القنوت واجب؛ وما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا بحر عن المحيط‏.‏ ‏(‏قوله ورجح الحلبي تكراره لهما‏)‏ حيث قال‏:‏ إلا أن هذا الفرق غير مفيد إذ لا عبرة بالظن الذي ظهر خطؤه، وإذا كان الشاك يعيد لاحتمال أن الواجب لم يقع في موضعه فكيف لا يعيد الساهي بعدما تيقن ذلك‏.‏ وقد صرح في الخلاصة عن الصدر الشهيد بأن الساهي يقنت ثانيا، فإن كان ما مر رواية فهي غير موافقة للدراية‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا رجحه في الحلية والبحر بنحو ما مر‏.‏ ‏(‏قوله فيقنت مع إمامه فقط‏)‏ لأنه آخر صلاته، وما يقضيه أولهما حكما في حق القراءة وما أشبهها وهو القنوت؛ وإذا وقع قنوته في موضعه بيقين لا يكرر لأن تكراره غير مشروع شرح المنية

‏(‏قوله ولا يقنت لغيره‏)‏ أي غير الوتر، وهذا نفي لقول الشافعي رحمه الله إنه يقنت للفجر‏.‏

مطلب في القنوت للنازلة

‏(‏قوله إلا لنازلة‏)‏ قال في الصحاح‏:‏ النازلة الشديدة من شدائد الدهر، ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل أشباه‏.‏ ‏(‏قوله فيقنت الإمام في الجهرية‏)‏ يوافقه ما في البحر والشرنبلالية عن شرح النقابة عن الغاية‏:‏ وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر‏.‏ وهو قول الثوري وأحمد ا هـ‏.‏ وكذا ما في شرح الشيخ إسماعيل عن البنانية‏:‏ إذا وقعت نازلة قنت الإمام في الصلاة الجهرية، لكن في الأشباه عن الغاية‏:‏ قنت في صلاة الفجر، ويؤيده ما في شرح المنية حيث قال بعد كلام‏:‏ فتكون شرعيته‏:‏ أي شرعية القنوت في النوازل مستمرة، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهبنا وعليه‏.‏ الجمهور‏.‏ وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي‏:‏ إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما القنوت في الصلوات كلها للنوازل فلم يقل به إلا الشافعي، وكأنهم حملوا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أنه قنت في الظهر والعشاء» كما في مسلم، وأنه ‏{‏قنت في المغرب‏}‏ أيضا كما في البخاري على النسخ لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين في الفجر عنه عليه الصلاة والسلام ا هـ‏.‏ وهو صريح في أن قنوت النازلة عندنا مختص بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات الجهرية أو السرية‏.‏ ومفاده أن قولهم بأن القنوت في الفجر منسوخ معناه نسخ عموم الحكم لا نسخ أصله كما نبه عليه نوح أفندي، وظاهر تقييدهم بالإمام أنه لا يقنت المنفرد، وهل المقتدي مثله أم لا‏؟‏ وهل القنوت هنا قبل الركوع أم بعده‏؟‏ لم أره‏.‏ والذي يظهر لي أن المقتدي يتابع إمامه إلا إذا جهر فيؤمن وأنه يقنت بعد الركوع لا قبله، بدليل أن ما استدل به الشافعي على قنوت الفجر وفيه التصريح بالقنوت بعد الركوع حمله علماؤنا على القنوت للنازلة، ثم رأيت الشرنبلالي في مراقي الفلاح صرح بأنه بعده؛ واستظهر الحموي أنه قبله والأظهر ما قلناه، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله وقيل في الكل‏)‏ قد علمت أن هذا لم يقل به إلا الشافعي، وعزاه في البحر إلى جمهور أهل الحديث، فكان ينبغي عزوه إليهم لئلا يوهم أنه قول في المذهب‏.‏ ‏(‏قوله خمس يتبع فيها الإمام‏)‏ أي يفعلها المؤتم إن فعلها الإمام وإلا فلا ح؛ قال في شرح المنية‏:‏ والأصل في هذا النوع وجوب متابعة الإمام في الواجبات فعلا وكذا تركا، إن كانت فعلية أو قولية يلزم من فعلها المخالفة في الفعلي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله قنوت‏)‏ يخالفه ما في الفتح والظهيرية والفيض ونور الإيضاح، من أنه لو ترك الإمام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الإمام في الركوع وإلا تابعه ‏"‏ وقد أعاد في الفتح ذكر هذا الفرع قبيل قضاء الفوائت، ثم أعقبه بما ذكره الشارح هنا معزيا إلى نظم الزندوستي‏.‏ والذي يظهر التفصيل لأن فيه إحراز الفضيلتين تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وقعود أول‏)‏ الظاهر أنه ينتظر إمامه إلى أن يصير إلى القيام أقرب لاحتمال عوده قبله ثم يتابعه لأن الإمام إذا عاد حينئذ تفسد صلاته على أحد القولين، ويأثم على القول الآخر، وليس للمقتدي أن يقعد ثم يتابعه لأنه يكون فاعلا ما يحرم على الإمام فعله ومخالفا له في عمل فعلي، بخلاف ما إذا قام الإمام قبل فراغ المقتدي من التشهد فإنه يتمه ثم يتابعه لأن في إتمامه متابعة لإمامه فيما فعله الإمام فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وتكبير عيد‏)‏ أي إذا لم يأت به الإمام في القيام أو في الركوع لا يأتي به المؤتم فافهم‏.‏ وبحث في شرح المنية أنه ينبغي أن يأتي به المؤتم في الركوع لأنه مشروع فيه ولأنه لا يكون مخالفا لإمامه في واجب فعلي‏.‏ ثم أجاب بأنه إنما شرع في الركوع للمسبوق تحصيلا لمتابعة الإمام فيما أتى به، أما هنا ففيه تحصيل لمخالفته‏.‏ قال‏:‏ وهذا في تكبيرات الركعة الثانية، وأما تكبيرات الأولى ففي الإتيان بها ترك الاستماع والإنصات‏.‏ ‏(‏قوله وأربعة لا يتبع‏)‏ أي إذا فعلها الإمام لا يتبعه فيها القوم‏.‏ والأصل في هذا النوع أنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ وما لا تعلق له بالصلاة شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله زيادة تكبير عيد‏)‏ أي إذا زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيد وكان المقتدي يسمع التكبير منه بخلاف ما إذا كان يسمعه من المؤذن لاحتمال أن الغلط منه شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله أو جنازة‏)‏ أي بأن زاد على أربع تكبيرات‏.‏ ‏(‏قوله وركن‏)‏ كزيادة سجدة ثالثة‏.‏ ‏(‏قوله وقيام لخامسة‏)‏ داخل تحت قوله وركن تأمل‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ ثم في القيام إلى الخامسة إن كان قعد على الرابعة وينتظره المقتدي قاعدا، فإن سلم من غير إعادة التشهد سلم المقتدي معه وإن قيد الخامسة بسجدة سلم المقتدي وحده؛ وإن كان لم يقعد على الرابعة‏.‏ فإن عاد تابعه المقتدي، وإن قيد الخامسة فسدت صلاتهم جميعا، ولا ينفع المقتدي تشهده وسلامه وحده‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وثمانية تفعل مطلقا‏)‏ أي فعلها الإمام أو لا‏.‏ والأصل في هذا النوع عدم وجوب المتابعة في السنن فعلا فكذا تركا، وكذا الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة في واجب فعلي كالتشهد وتكبير التشريق، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين، إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعلي وهو القيام مع ركوع الإمام شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله الرفع‏)‏ أي رفع اليدين للتحريمة‏.‏ ‏(‏قوله والثناء‏)‏ أي فيأتي به ما دام الإمام في الفاتحة، وإن كان في السورة فكذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وقد عرف أنه إذا أدركه في جهر القراءة لا يثني، كذا في الفتح‏:‏ أي بخلاف حالة السر كما مشى عليه المصنف في فصل الشروع في الصلاة وقدمنا هناك تصحيحه وأن عليه الفتوى فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وتكبير انتقال‏)‏ أي إلى ركوع أو سجود أو رفع منه‏.‏ ‏(‏قوله وتسميع‏)‏ أي إذا تركه الإمام لا يترك المؤتم التحميد‏.‏ ‏(‏قوله وتسبيح‏)‏ أي في الركوع والسجود فيأتي به المؤتم ما دام الإمام فيهما‏.‏ ‏(‏قوله وتشهد‏)‏ أي إذا قعد الإمام ولم يقرأ التشهد يقرؤه المؤتم، أما لو ترك الإمام القعدة الأولى فإنه يتابعه كما مر‏.‏ ‏(‏قوله وسلام‏)‏ أي إذا تكلم الإمام أو خرج من المسجد يسلم المؤتم، أما إذا أحدث عمدا أو قهقه فإن المؤتم لا يسلم لفساد الجزء الأخير من صلاتهما ط‏.‏

مطلب في السنن والنوافل

‏(‏قوله وسن مؤكدا‏)‏ أي استنانا مؤكدا؛ بمعنى أنه طلب طلبا مؤكدا زيادة على بقية النوافل، ولهذا كانت السنة المؤكدة قريبة من الواجب في لحوق الإثم كما في البحر، ويستوجب تاركها التضليل واللوم كما في التحرير‏:‏ أي على سبيل الإصرار بلا عذر كما في شرحه وقدمنا بقية الكلام على ذلك في سنن الوضوء‏.‏ ‏(‏قوله بتسليمة‏)‏ لما عن عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الفجر ركعتين» رواه مسلم وأبو داود وابن حنبل‏.‏ وعن أبي أيوب ‏{‏كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال أربع ركعات، فقلت‏:‏ ما هذه الصلاة التي تداوم عليها‏؟‏ فقال‏:‏ هذه ساعة تفتح أبواب السماء فيها، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح، فقلت‏:‏ أفي كلهن قراءة‏؟‏ قال نعم، فقلت‏:‏ بتسليمة واحدة أم بتسليمتين‏؟‏ فقال بتسليمة واحدة» رواه الطحاوي وأبو داود والترمذي وابن ماجه من غير فصل بين الجمعة والظهر، فيكون سنة كل واحدة منها أربعا‏.‏ وروى ابن ماجه بإسناده عن ابن عباس‏:‏ «كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن» وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا» رواه مسلم زيلعي‏.‏ زاد في الإمداد‏:‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا، فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت» رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ ‏(‏قوله لم تنب عن السنة‏)‏ ظاهره أن سنة الجمعة كذلك، وينبغي تقييده بعدم العذر للحديث المذكور آنفا، كذا بحثه في الشرنبلالية وسنذكر ما يؤيده بعد نحو ورقتين‏.‏ ‏(‏قوله ولذا‏)‏ أي لعدم الاعتداد بتسليمتين لما يكون بتسليمة‏.‏ ‏(‏قوله لو نذرها‏)‏ أي الأربع لا بقيد كونها سنة‏.‏ وعبارة الدرر‏:‏ ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلى أربعا بتسليمتين لا يخرج عن النذر، وبالعكس يخرج، كذا في الكافي ا هـ‏.‏ وأسقط الشارح قوله بتسليمة إشارة إلى أنه غير قيد كما يظهر مما يأتي عند قول المصنف وقضى ركعتين لو نوى أربعا إلخ‏.‏ ‏(‏قوله لجبر النقصان‏)‏ أي ليقوم في الآخرة مقام ما ترك منها لعذر كنسيان، وعليه يحمل الخبر الصحيح أن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع، وأوله البيهقي بأن المكمل بالتطوع هو ما نقص من سنتها المطلوبة فيها‏:‏ أي فلا يقوم مقام الفرض الحديث الصحيح‏:‏ «صلاة لم يتمها زيد عليها من سبحتها حتى تتم» فجعل التتميم من السبحة أي النافلة لفريضة صليت ناقصة لا لمتروكة من أصلها‏.‏ وظاهر كلام الغزالي الاحتساب مطلقا، وجرى عليه ابن العربي وغيره لحديث أحمد الظاهر في ذلك ا هـ‏.‏ من تحفة ابن حجر ملخصا‏.‏ وذكر نحوه في الضياء عن السراج وسيذكر في الباب الآتي أنها في حقه صلى الله عليه وسلم لزيادة الدرجات‏.‏ ‏(‏قوله لقطع طمع الشيطان‏)‏ بأن يقول إنه لم يترك ما ليس بفرض فكيف يترك ما هو فرض ط‏.‏ ‏(‏قوله ويستحب أربع قبل العصر‏)‏ لم يجعل للعصر سنة راتبة لأنه لم يذكر في حديث عائشة المار بحر قال في الإمداد وخير محمد بن الحسن والقدوري المصلي بين أن يصلي أربعا أو ركعتين قبل العصر لاختلاف الآثار ‏(‏قوله وإن شاء ركعتين‏)‏ كذا عبر في منية المصلي‏.‏ وفي الإمداد عن الاختيار‏:‏ يستحب أن يصلي قبل العشاء أربعا وقيل ركعتين، وبعدها أربعا وقيل ركعتين ا هـ‏.‏ والظاهر أن الركعتين المذكورتين غير المؤكدتين‏.‏ ‏(‏قوله حرمه الله على النار‏)‏ فلا يدخلها أصلا، وذنوبه تكفر عنه، وتبعاته يرضي الله تعالى عنه خصماءه فيها‏.‏ ويحتمل أن عدم دخوله بسبب توفيقه لما لا يترتب عليه عقاب ط أو هو بشارة بأنه يختم له بالسعادة فلا يدخل النار‏.‏ ‏(‏قوله من الأوابين‏)‏ جمع أواب‏:‏ أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار‏.‏ ‏(‏قوله بتسليمة أو ثنتين أو ثلاث‏)‏ جزم بالأول في الدرر، وبالثاني في الغزنوية، وبالثالث في التجنيس كما في الإمداد، لكن الذي في الغزنوية مثل ما في التجنيس، وكذا في شرح درر البحار‏.‏ وأفاد الخير الرملي في وجه ذلك أنها لما زادت عن الأربع وكان جمعها بتسليمة واحدة خلاف الأفضل، لما تقرر أن الأفضل رباع عند أبي حنيفة؛ ولو سلم على رأس الأربع لزم أن يسلم في الشفع الثالث على رأس الركعتين، فيكون فيه مخالفة من هذه الحيثية، فكان المستحب فيه ثلاث تسليمات ليكون على نسق واحد‏.‏ قال‏:‏ هذا ما ظهر لي، ولم أره لغيري‏.‏ ‏(‏قوله الأول أدوم وأشق‏)‏ لما فيه من زيادة حبس النفس بالقباء على تحريمة واحدة وعطف أشق عطف لازم على ملزوم‏.‏ وفي كلامه إشارة إلى اختيار الأول، وقد علمت ما فيه ‏(‏قوله وهل تحسب المؤكدة‏)‏ أي في الأربع بعد الظهر وبعد العشاء والست بعد المغرب بحر‏.‏ ‏(‏قوله اختار الكمال‏)‏ نعم ذكر الكمال في فتح القدير أنه وقع اختلاف بين أهل عصره في أن الأربع المستحبة هل هي أربع مستقلة غير ركعتي الراتبة أو أربع بهما‏؟‏ وعلى الثاني هل تؤدى معهما بتسليمة واحدة أو لا، فقال جماعة لا واختار هو أنه إذا صلى أربعا بتسليمة أو تسليمتين وقع عن السنة والمندوب، وحقق ذلك بما لا مزيد عليه، وأقره في شرح المنية والبحر والنهر‏.‏ ‏(‏قوله وحرر إباحة ركعتين إلخ‏)‏ فإنه ذكر أنه ذهبت طائفة إلى ندب فعلهما، وأنه أنكره كثير من السلف وأصحابنا ومالك‏.‏ واستدل لذلك بما حقه أن يكتب بسواد الأحداق؛ ثم قال‏:‏ والثابت بعد هذا هو نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا إلا أن يدل دليل آخر، وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل، والركعتان لا يزيد على القليل إذا تجوز فيهما ا هـ‏.‏ وقدمنا في مواقيت الصلاة بعض الكلام على ذلك‏.‏

‏(‏قوله آكدها سنة الفجر‏)‏ لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر» وفي مسلم‏:‏ «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وفي أبي داود‏:‏ «لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل» بحر‏.‏ ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ استحسنه في الفتح فقال‏:‏ ثم اختلف في الأفضل بعد ركعتي الفجر‏.‏ قال الحلواني‏:‏ ‏{‏ركعتا المغرب فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدعهما سفرا ولا حضرا» ثم التي بعد الظهر لأنها سنة متفق عليها، بخلاف التي قبلها لأنها قيل هي للفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء‏.‏ وقيل بعد العشاء وقبل الظهر وبعده وبعد المغرب كلها سواء‏.‏ وقيل التي قبل الظهر آكد وصححه الحسن، وقد أحسن، لأن نقل المواظبة الصريحة عليها أقوى من نقل مواظبته صلى الله عليه وسلم على غيرها من غير ركعتي الفجر‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ وهكذا صححه في العناية والنهاية لأن فيها وعيدا معروفا‏:‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي» ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ ولعله للتنفير عن الترك، أو شفاعته الخاصة بزيادة الدرجات‏.‏ وأما الشفاعة العظمى فعامة لجميع المخلوقات ‏(‏قوله وقيل بوجوبها‏)‏ وهو ظاهر النهاية وغيرها خزائن‏.‏ قلت‏:‏ وإليه يميل كلام البحر، حيث قال‏:‏ وقد ذكروا ما يدل على وجوبها، ثم ساق المسائل التي فرعها المصنف، ووفق بينه وبين ما في أكثر الكتب من أنها سنة مؤكدة بأن المؤكدة بمعنى الواجب‏.‏ وأجاب عما ينافيه وكتبناه فيما علقناه عليه ما فيه‏.‏ ‏(‏قوله اتفاقا‏)‏ أما على القول بالوجوب فظاهر‏.‏ وأما على القول بالسنية فمراعاة للقول بالوجوب ولآكديتها ط‏.‏ هذا‏:‏ وقد ذكر في البحر الاتفاق عن الخلاصة وأقره، لكن نازع فيه في الإمداد جازما بأن الجواز على القول بالسنية وأن عدمه إنما هو على القول بالوجوب، واستند في ذلك إلى ما في الزيلعي والبرهان من التصريح ببناء ذلك على الخلاف‏.‏ ثم قال‏:‏ ولا يخفى ما في حكاية الإجماع على عدم الجواز وليس الإجماع إلا على تأكدها ا هـ‏.‏ لكن يخالفه ما نذكره قريبا عن الخانية من الفرق بينهما وبين التراويح، في أنها لا تصح قاعدا لأنها سنة مؤكدة بلا خلاف، تأمل‏.‏ ‏(‏قوله على الأصح‏)‏ عزاه المصنف في المنح إلى باب التراويح من الخانية‏.‏ أقول‏:‏ والذي في الخانية هناك‏:‏ لو صلى التراويح قاعدا، قيل لا يجوز بلا عذر، لما روى الحسن عن أبي حنيفة‏:‏ لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز فكذا التراويح لأن كلا منهما سنة مؤكدة‏.‏ وقيل يجوز، وهو الصحيح‏.‏ والفرق أن سنة الفجر سنة مؤكدة بلا خلاف، والتراويح دونها في التأكد، فلا يجوز التسوية بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ فأنت ترى أنه إنما صحح جواز التراويح قاعدا لا عدم جواز الفجر، نعم مقتضى كلامه تسليم عدم الجواز في سنة الفجر فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فله تركها إلخ‏)‏ الظاهر أن معناه أنه يتركها وقت اشتغاله بالإفتاء لأجل حاجة الناس المجتمعين عليه، وينبغي أنه يصليها إذا فرغ في الوقت‏.‏ وظاهر التفرقة بين سنة الفجر وغيرها أنه ليس له ترك صلاة الجماعة لأنها من الشعائر، فهي آكد من سنة الفجر، ولذا يتركها لو خاف فوت الجماعة، وأفاد ط أنه ينبغي أن يكون القاضي وطالب العلم كذلك لا سيما المدرس‏.‏ أقول‏:‏ في المدرس نظر، بخلاف الطالب إذا خاف فوت الدرس أو بعضه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله ويخشى الكفر على منكرها‏)‏ أي منكر مشروعيتها إن كان إنكاره لشبهة أو تأويل دليل، وإلا فينبغي الجزم بكفره لإنكاره مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة كما قدمناه أول الباب‏.‏ ‏(‏قوله وتقضى‏)‏ أي إلى قبيل الزوال، وقوله معه تنازعه قوله تقضى وفاتت فلا تقضى إلا معه حيث فات وقتها؛ أما إذا فاتت وحدها فلا تقضى، ولا تقضى قبل الطلوع ولا بعد الزوال ولو تبعا على الصحيح أفاده ح وسينبه عليه المصنف في الباب الآتي‏.‏

صلى ركعتين تطوعا مع ظن أن الفجر لم يطلع فإذا هو طالع ‏(‏قوله تجنيس‏)‏ فيه أنه في التجنيس صحح في المسألة الأولى الإجزاء معللا بأن السنة تطوع فتتأدى بنية التطوع وصحح في الثانية عدمه معللا بأن السنة ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ومواظبته كانت بتحريمة مبتدأة، نعم عكس صاحب الخلاصة فصحح عدم الإجزاء في الأولى والإجزاء في الثانية ولا يخفى ما فيه فإنه إذا أجزأت الثانية يلزم إجزاء الأولى بالأولى، ولذا قال في النهر‏:‏ وترجيح التجنيس في المسألتين أوجه‏.‏

الزيادة على أربع في نفل النهار، وعلى ثمان ليلا بتسليمة‏.‏

مطلب في لفظة ثمان

‏(‏قوله وعلى ثمان‏)‏ كيمان عدد وليس بنسب، أو في الأصل منسوب إلى الثمن لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها، ثم فتحوا أولها لأنهم يغيرون في النسب وحذفوا منها إحدى ياءي النسب وعوضوا منها الألف كما فعلوا في المنسوب إلى اليمين، فتثبت ياؤه عند الإضافة كما تثبت ياء القاضي، فتقول‏:‏ ثماني نسوة وثماني مائة وتسقط مع التنوين عند الرفع أو الجر، وتثبت عند النصب قاموس ‏(‏قوله لأنه لم يرد‏)‏ أي لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ذلك‏.‏ والأصل فيه التوقيف كما في فتح القدير‏:‏ أي فما لم يوقف على دليل المشروعية لا يحل فعله بل يكره أي اتفاقا كما في منية المصلي أي من أئمتنا الثلاثة، نعم وقع الاختلاف بين المشايخ المتأخرين في الزيادة على الثمانية ليلا، فقال بعضهم لا يكره وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي وصححه في الخلاصة، وصحح في البدائع الكراهة‏.‏ قال‏:‏ وعليه عامة المشايخ، وتمامه في الحلية والبحر‏.‏ ‏(‏قوله والأفضل فيهما‏)‏ أي في صلاتي الليل والنهار الرباع‏.‏ وعبارة الكنز‏:‏ رباع بدون أل، وهو الأظهر لأنه غير منصرف للوصفية والعدل عن أربع أربع أي ركعات رباع‏:‏ أي كل أربع بتسليمة‏.‏ ‏(‏قوله قيل وبه يفتى‏)‏ عزاه في المعراج إلى العيون‏.‏ قال في النهر‏:‏ ورده الشيخ قاسم بما استدل به المشايخ للإمام من حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا» وكانت التراويح ثنتين تخفيفا، وحديث‏:‏ «صلاة الليل مثنى مثنى» يحتمل أن يراد به شفع لا وتر، وترجحت الأربع بزيادة منفصلة لما أنها أكثر مشقة على النفس، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنما أجرك على قدر نصبك» ا هـ‏.‏ بزيادة، وتمام الكلام على ذلك في شرح المنية وغيره

‏(‏قوله ولا يصلي إلخ‏)‏ أقول‏:‏ قال في البحر في باب صفة الصلاة‏:‏ إن ما ذكر مسلم فيما قبل الظهر، لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها، ولو أفسدها قضى أربعا، والأربع قبل الجمعة بمنزلتها‏.‏ وأما الأربع بعد الجمعة فغير مسلم فإنها كغيرها من السنن، فإنهم لم يثبتوا لها تلك الأحكام المذكورة ا هـ‏.‏ ومثله في الحلية، وهذا مؤيد لما بحثه الشرنبلالي من جوازها بتسليمتين لعذر‏.‏ ‏(‏قوله ولو نذرا‏)‏ نص عليه في القنية، ووجهه أنه نفل عرض عليه الافتراض أو الوجوب أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله لأن كل شفع صلاة‏)‏ قدمنا بيان ذلك في أول بحث الواجبات، والمراد من بعض الأوجه كما يأتي قريبا ‏(‏قوله وقيل لا إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ ولا يخفى ما فيه والظاهر الأول‏.‏ زاد في المنح ومن ثم عولنا عليه وحكينا ما في القنية بقيل‏.‏

مطلب قولهم كل شفع من النفل صلاة ليس مفردا

‏[‏تنبيه‏]‏

بقي في المسألة قول ثالث جزم به في منية المصلي في باب صفة الصلاة حيث قال‏:‏ أما إذا كانت سنة أو نفلا فيبتدئ كما ابتدأ في الركعة الأولى، يعني يأتي بالثناء والتعوذ لأن كل شفع صلاة على حدة ا هـ‏.‏ لكن قال شارحها‏:‏ الأصح أنه لا يصلي ولا يستفتح في سنة الظهر والجمعة، وكون كل شفع صلاة على حدة ليس مطردا في كل الأحكام، ولذا لو ترك القعدة الأولى لا تفسد خلافا لمحمد‏.‏ ولو سجد للسهو على رأس شفع لا يبنى عليه شفعا آخر لئلا يبطل السجود بوقوعه في وسط الصلاة، فقد صرحوا بصيرورة الكل صلاة واحدة حيث حكموا بوقوع السجود وسطا، فيقال هنا أيضا‏:‏ لا يصلي ولا يستفتح ولا يتعوذ لوقوعه في وسط الصلاة لأن الأصل كون الكل صلاة واحدة للاتصال واتحاد التحريمة، ومسألة الاستفتاح ونحوه ليست مروية عن المتقدمين وإنما هي اختيار بعض المتأخرين، نعم اعتبروا كون كل شفع صلاة على حدة في حق القراءة احتياطا، وكذا في عدم لزوم الشفع الثاني قبل القيام إليه لتردده بين اللزوم وعدمه فلا يلزم بالشك ولذا يقطع على رأس الشفع إذا أقيمت الصلاة أو خرج الخطيب وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة بالشروع في الشفع الآخر لأن كلا من الشفعة والخيار متردد بين الثبوت وعدمه فلا يثبت بالشك وكذا في عدم سريان الفساد من شفع إلى شفع إذ لا يحكم بالفساد مع الشك ا هـ‏.‏ ملخصا، لكن قوله وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة غير صحيح، لما علمت مما قدمناه آنفا عن البحر والحلية من أنهما لا يبطلان بالانتقال إلى الشفع الثاني، وقد صرح نفسه بذلك في مواقيت الصلاة وعلمت أيضا أن ذلك إنما ذكروه في سنة الظهر ولم يثبتوه للأربع التي بعد الجمعة‏.‏

‏(‏قوله ورجحه في البحر‏)‏ حيث جزم بتعارض الأدلة كحديث مسلم‏:‏ «عليك بكثرة السجود» وحديث‏:‏ «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وحديث مسلم أيضا‏:‏ «أفضل الصلاة طول القنوت» أي طول القيام كما هو رواية أحمد وأبي داود؛ ثم قال‏:‏ والذي ظهر للعبد الضعيف أن كثرة الركوع والسجود أفضل لأن القيام إنما شرع وسيلة إليهما، ولذا سقط عمن عجز عنهما، ولا تكون الوسيلة أفضل من المقصود ولأنه وإن لزم فيه كثرة القراءة لكنها ركن زائد، بل اختلف في أصل ركنيتها‏.‏ وأجمعوا على ركنية الركوع والسجود وأصالتهما، ولتخلف القيام عن القراءة فيما بعد ركعتي الفرض ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله من ثلاثة أوجه‏)‏ الأول أن القيام وإن كان وسيلة إلا أن أفضلية طوله لكثرة القراءة فيه وهي وإن بلغت كل القرآن تقع فرضا بخلاف التسبيحات‏.‏ الثاني أن كون القراءة ركنا زائدا مما لا أثر له في الفضيلة‏.‏ الثالث أن موضوع المسألة النفل، وفيه تجب القراءة في كله ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ وأما تعارض الأدلة، فيجاب عنه بأن المراد بالسجود الصلاة؛ وأقوى دليل أيضا على أفضلية طول القيام «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل إلا قليلا، وكان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة» كما مر في حديث عائشة ‏(‏قوله ونقل عن المعراج إلخ‏)‏ اعترض على البحر أيضا حيث قال‏:‏ اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار أن طول القيام أحب‏.‏ ونقل في المجتبى عنه العكس‏.‏ ونقل عن أبي يوسف أنه فصل فقال‏:‏ إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود ا هـ‏.‏ ووجه الاعتراض أن مقتضى كلامه أنه لا قول في هذه المسألة لإمام المذهب، بل القولان فيها لمحمد‏.‏ أقول‏:‏ ويظهر لي أن رواية أبي يوسف محمل هذين القولين تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وصححه في البدائع‏)‏ وعبارته‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ طول القيام أفضل‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ كثرة الصلاة أفضل والصحيح قولنا‏.‏ ثم قال‏:‏ وروي عن أبي يوسف أنه قال إلى آخر ما مر، وظاهر كلامه أن هذا قول أئمتنا الثلاثة حيث لم يتعرض إلا لخلاف الشافعي، ويؤيده ما مر عن الطحاوي ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ تأييد لما في المعراج، وأمر بالتنبه إشارة إلى ما على المصنف من الاعتراض، حيث تابع شيخه صاحب البحر، وعدل عما عليه المتون الذي هو قول الإمام المصحح، بل هو قول الكل كما مر، ولذا قال الخير الرملي أقول‏:‏ كيف يخالف الجهابذة تبعا لشيخه ويجعله متنا والمتون موضوعة لنقل المذهب‏؟‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن المذهب المعتمد أن طول القيام أحب، ومعناه كما في شرح المنية أنه إذا أراد شغل حصة معينة من الزمان بصلاة فإطالة القيام مع تقليل عدد الركعات أفضل من عكسه، فصلاة ركعتين مثلا في تلك الحصة أفضل من صلاة أربع فيها، وهكذا القياس‏.‏ ‏(‏قوله وهل إلخ‏)‏ البحث لصاحب النهر‏.‏ والذي يظهر أن كثرة ركوعه وسجوده أفضل لأن أفضلية القيام إنما كانت باعتبار القراءة ولا قراءة له‏.‏ ا هـ‏.‏ ح عن بعض الهوامش‏.‏ وخالفه الرحمتي بأن الأخرس قارئ حكما وله ثواب القارئ كما هو الحكم فيمن قصد عبادة وعجز عنها مع أن الطريقة أن العلة إذا وجدت في بعض الصور تطرد في باقيها تأمل‏.‏

مطلب في تحية المسجد

‏(‏قوله ويسن تحية‏)‏ كتب الشارح في هامش الخزائن أن هذا رد على صاحب الخلاصة حيث ذكر أنها مستحبة‏.‏ ‏(‏قوله رب المسجد‏)‏ أفاد أنه على حذف مضاف لأن المقصود منها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد لأن الإنسان إذا دخل بيت الملك يحيي الملك لا بيته بحر عن الحلية‏.‏ ثم قال‏:‏ وقد حكي الإجماع على سنيتها، غير أن أصحابنا يكرهونها في الأوقات المكروهة تقديما لعموم الحاظر على عموم المبيح ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وهي ركعتان‏)‏ في القهستاني وركعتان أو أربع، وهي أفضل لتحية المسجد إلا إذا دخل فيه بعد الفجر أو العصر، فإنه يسبح ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه حينئذ يؤدي حق المسجد كما إذا دخل للمكتوبة فإنه غير مأمور بها حينئذ كما في التمرتاشي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وأداء الفرض أو غيره إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ وينوب عنها كل صلاة صلاها عند الدخول فرضا كانت أو سنة‏.‏ وفي البناية معزيا إلى مختصر المحيط أن دخوله بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عنها وإنما يؤمر بها إذا دخله لغير الصلاة ا هـ‏.‏ كلام النهر‏.‏ والحاصل أن المطلوب من داخل المسجد أن يصلي فيه ليكون ذلك تحية لربه تعالى‏:‏ والظاهر أن دخوله بنية صلاة الفرض لإمام أو منفرد أو بنية الاقتداء ينوب عنها إذا صلى عقب دخوله، وإلا لزم فعلها بعد الجلوس، وهو خلاف الأولى كما يأتي، فلو كان دخوله بنية الفرض مثلا لكن بعد زمان يؤمر بها قبل جلوسه كما لو كان دخوله لغير صلاة كدرس أو ذكر‏.‏ وبما قررناه علم أن ما نقله في النهر عن البناية لا يخالف ما قبله، غايته أنه عبر عن الصلاة بنيتها بناء على ما هو الغالب من أن من دخل لأجل الصلاة يصلي، وليس معناه أن النية المذكورة تكفيه عن التحية وإن لم يصل كما يوهمه ظاهر العبارة كما أفاده ح، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ينوب عنها بلا نية‏)‏ قال في الحلية‏:‏ لو اشتغل داخل المسجد بالفريضة غير ناو للتحية قامت تلك الفريضة مقام تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد، كما في البدائع وغيره، فلو نوى التحية مع الفرض فظاهر ما في المحيط وغيره أنه يصح عندهما‏.‏ وعند محمد لا يكون داخلا في الصلاة، فإنهم قالوا‏:‏ لو نوى الدخول في الظهر والتطوع يجوز عن الفرض عند أبي يوسف‏.‏ ورواه الحسن عن أبي حنيفة‏.‏ وعند محمد لا يكون داخلا لأن الفرض مع النفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لأحدهما على الآخر في التحريمة‏.‏ فمتى نواهما تعارضت النيتان فلغتا‏.‏ ولأبي يوسف أن الفرض أقوى فتندفع نية الأدنى كمن نوى حجة الإسلام والتطوع ا هـ‏.‏ ملخصا، ومثله في البحر‏.‏ أقول‏:‏ الذي يظهر لي أن هذا الخلاف لا يجري في مسألتنا لأن الفريضة إذا قامت مقام التحية وحصل المقصود بها لم تبق التحية مطلوبة لأن المقصود تعظيم المسجد بأي صلاة كانت، ولا يؤمر بتحية مستقلة إلا إذا دخل لغير الصلاة كما مر، وحينئذ فإذا نواها مع الفريضة يكون قد نوى ما تضمنته الفريضة وسقط بها، فلم يكن ناويا جنسا آخر على قول محمد، بخلاف ما إذا نوى فرض الظهر وسنته مثلا فليتأمل، بل لقائل أن يقول إن الأولى أن ينويها بذلك الفرض ليحصل له ثوابها أي ينوي بإيقاع ذلك الفرض في المسجد تحية الله تعالى أو تعظيم بيته لأن سقوطها به وعدم طلبها لا يستلزم الثواب بلا قصدها‏.‏ ثم رأيت المحقق ابن حجر من الشافعية كتب عند قول المنهاج‏:‏ وتحصل بفرض أو نفل آخر ما نصه‏:‏ وإن لم ينوها معه‏.‏ لأنه لم ينتهك حرمة المسجد المقصودة‏:‏ أي يسقط طلبها بذلك، أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لحديث‏:‏ «إنما الأعمال بالنيات» وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل‏:‏ أي الثواب وإن لم ينو بعيد وإن قيل إن كلام المجموع يقتضيه؛ ولو نوى عدمها لم يحصل شيء من ذلك اتفاقا كما هو ظاهر أخذا مما بحثه بعضهم في سنة الطواف، وإنما ضرب نية ظهر وسنة مثلا لأنها مقصودة لذاتها بخلاف التحية ا هـ‏.‏ وقوله وإنما ضرب إلخ هو عين ما بحثته أولا أيضا ولله الحمد، فإن ما قاله لا يخالف قواعد مذهبنا ‏(‏قوله وتكفيه لكل يوم مرة‏)‏ أي إذا تكرر دخوله لعذر‏.‏ وظاهر إطلاقه أنه مخير بين أن يؤديها في أول المرات أو آخرها ط‏.‏ ‏(‏قوله ولا تسقط بالجلوس عندنا‏)‏ فإنهم قالوا في الحاكم إذا دخل المسجد للحكم إن شاء صلى التحية عند دخوله أو عند خروجه لحصول المقصود كما في الغاية‏.‏ وأما حديث الصحيحين‏:‏ «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» فهو بيان للأولى لحديث ابن حبان في صحيحه‏:‏ «يا أبا ذر إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعها» وتمامه في الحلية‏.‏ ‏(‏قوله وفي الضياء إلخ‏)‏ عبارته وقال بعضهم‏:‏ من دخل المسجد ولم يتمكن من تحية المسجد إما لحدث أو لشغل أو نحوه يستحب له أن يقول ‏"‏ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ‏"‏ قاله أبو طالب المكي في قوت القلوب ا هـ‏.‏ وقدمنا نحوه عن القهستاني‏.‏ ‏[‏خاتمة‏]‏ يستثنى من المساجد المسجد الحرام بالنسبة إلى أول دخول الآفاقي المحرم، فإن تحيته الطواف، وفيه تأمل، كذا في الحلية، ولعل وجه التأمل إطلاق المسجد في الحديث المار‏.‏ وفي النهر‏:‏ واتفقوا على أن الإمام لو كان يصلي المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة أنه يتركها، وأنه يقدم الطواف عليها، بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في لباب المناسك وشرحه لمنلا علي القارئ‏:‏ ولا يشتغل بتحية المسجد لأن تحية المسجد الشريف هي الطواف إن أراده، بخلاف من لم يرده وأراد أن يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، إلا أن يكون الوقت مكروها‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أنه لا يصلي مريد الطواف للتحية أصلا لا قبله ولا بعده، ولعل وجهه اندراجها في ركعتيه‏.‏ ‏(‏قوله ولو تكلم إلخ‏)‏ وكذا لو فصل بقراءة الأوراد لأن السنة الفصل بقدر ‏"‏ اللهم أنت السلام إلخ ‏"‏ حتى لو زاد تقع سنة لا في محلها المسنون كما مر قبيل فصل الجهر بالقراءة‏.‏ ‏(‏قوله وقيل تسقط‏)‏ أي فيعيدها لو قبلية، ولو كانت بعدية فالظاهر أنها تكون تطوعا، وأنه لا يؤمر بها على هذا القول تأمل‏.‏

‏(‏قوله وفي الخلاصة إلخ‏)‏ الظاهر أنه استدراك على ما صححه في المتن تبعا للقنية لأن جزم الخلاصة بقوله أعادها يفيد أنها تسقط بقرينة قوله بعده لا تبطل‏:‏ أي لا يبطل كونها سنة فإنه يفيد أن الإعادة لبطلان كونه سنة وإلا لم تصح المقابلة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله ولو جيء بطعام إلخ‏)‏ أفاد أن العمل المنافي إنما ينقص ثوابها أو يسقطها لو كان بلا عذر، أما لو حضر الطعام وخاف ذهاب لذته لو اشتغل بالسنة البعدية فإنه يتناوله ثم يصليها لأن ذلك عذر في ترك الجماعة، ففي تأخير السنة أولى إلا إذا خاف فوتها بخروج الوقت فإنه يصليها ثم يأكل، هذا ما ظهر لي‏.‏ ‏(‏قوله ولو أخرها إلخ‏)‏ أي بلا عذر بقرينة ما قبله‏.‏ ‏(‏قوله وقيل تكون‏)‏ حكى القولين القنية ولم يعبر عن هذا الثاني بقيل بل أخره، ولا يلزم من ذلك تضعيفه‏.‏ ويظهر لي أنه الأصح، وأن القول الأول مبني على القول بأنها تسقط بالعمل المنافي، وهو ما حكاه الشارح بقيل إلا أن يدعي تخصيص الخلاف السابق بالسنة القبلية وهذا بالبعدية، لكن يبعده أنه إذا كان الأصح في القبلية أنها لا تسقط مع إمكان تداركها بأن تعاد مقارنة للفرض تكون البعدية كذلك بالأولى لعدم إمكان التدارك فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وقيل لا‏)‏ يؤيده ما في البحر عن الخلاصة‏:‏ السنة في ركعتي الفجر قراءة الكافرون والإخلاص، والإتيان بها أول الوقت وفي بيته، وإلا فعلى باب المسجد إلخ‏.‏ مبحث مهم في الكلام على الضجعة بعد سنة الفجر وقال في شرح المنية‏:‏ وهو الذي تدل عليه الأحاديث عن عائشة قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج» متفق عليه ا هـ‏.‏ وتمامه فيه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

صرح الشافعية بسنية الفصل بين سنة الفجر وفرضه بهذه الضجعة أخذا من هذا الحديث ونحوه‏.‏ وظاهر كلام علمائنا خلافه حيث لم يذكروها، بل رأيت في موطإ الإمام محمد رحمه الله تعالى ما نصه‏:‏ أخبرنا مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع، فقال ابن عمر‏:‏ ما شأنه‏؟‏ فقال نافع قلت‏:‏ يفصل بين صلاته، فقال ابن عمر‏:‏ وأي فصل أفضل من السلام‏؟‏ قال محمد‏:‏ وبقول ابن عمر نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال شارحه المحقق منلا علي القارئ‏:‏ وذلك لأن السلام إنما ورد للفصل، وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام، وهذا لا ينافي ما سبق من «أنه عليه الصلاة والسلام كان يضطجع في آخر التهجد، وتارة أخرى بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة» ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ وقال ابن حجر المكي في شرح الشمائل‏:‏ روى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن» فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، ولأمره صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، خلافا لمن نازع وهو صريح في ندبها لمن بالمسجد وغيره، خلافا لمن خص ندبها بالبيت، وقول ابن عمر إنها بدعة ‏"‏ وقول النخعي إنها ضجعة الشيطان وإنكار ابن مسعود لها فهو لأنه لم يبلغهم ذلك‏.‏ وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها وأنها شرط لصلاة الصبح‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى بعد عدم البلوغ إلى هؤلاء الأكابر الذين بلغوا المبلغ الأعلى لا سيما ابن مسعود الملازم له صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا وابن عمر المتفحص عن أحواله صلى الله عليه وسلم في كمال التتبع والاتباع‏.‏ فالصواب حمل إنكارهم على العلة السابقة من الفصل أو على فعله في المسجد بين أهل الفضل، وليس أمره صلى الله عليه وسلم على تقدير صحته صريحا ولا تلويحا على فعله بالمسجد، إذ الحديث كما رواه أبو داود والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة‏:‏ «إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن» فالمطلق محمول على المقيد‏.‏ على أنه لو كان هذا في المسجد شائعا في زمانه صلى الله عليه وسلم لما كان يخفى على هؤلاء الأكابر الأعيان ا هـ‏.‏ وأراد بالمقيد ما مر من قوله بعد ركعتي الفجر في بيته‏.‏ وحاصله أن اضطجاعه عليه الصلاة والسلام إنما كان في بيته للاستراحة لا للتشريع، وإن صح حديث الأمر بها الدال على أن ذلك للتشريع يحمل على طلب ذلك في البيت فقط توفيقا بين الأدلة، والله تعالى أعلم‏.‏‏(‏قوله فهو السنة‏)‏ لأن النذر لا يخرجها عن كونها سنة؛ كما لو شرع فيها ثم قطعها ثم أداها كانت سنة وزادت وصف الوجوب بالقطع نهر عن عقد الفرائد‏.‏ ‏(‏قوله أراد النوافل‏)‏ في القنية‏:‏ أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر، وهو مرجح لقول من قال لا ينذرها، لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة، فلم يكن مخلصا‏.‏ ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به بخلاف النفل والأحسن عند العبد الضعيف أن لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين‏.‏ ا هـ‏.‏مطلب في الكلام على حديث النهي عن النذر

أقول‏:‏ لفظ حديث النهي كما رواه البخاري أيضا في صحيحه عن ابن عمر‏:‏ «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل» والمتبادر منه إرادة النذر المعلق، كإن شفى الله مريضي فلله علي كذا‏.‏ ووجه النهي أنه لم يخلص من شائبة العوض حيث جعل القربة في مقابلة الشفاء ولم تسمح نفسه بها بدون المعلق عليه مع ما فيه من إيهام اعتقاد التأثير للنذر في حصول الشفاء، فلذا قال في الحديث‏:‏ «إنه لا يرد شيئا» إلخ فإن هذا الكلام قد وقع موقع التعليل للنهي، بخلاف النذر المنجز فإنه تبرع محض بالقربة لله تعالى وإلزام للنفس بما عساها لا تفعله بدونه فيكون قربة‏.‏ والدليل على أن هذا النذر قربة عندنا ما صرح به في فتح القدير قبيل كتاب الحج‏:‏ لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه وجوب النذر لأن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب ا هـ‏.‏ والمراد به النذر المنجز لما قلنا‏.‏ على أن بعض شراح البخاري حمل النهي في الحديث على من يعتقد أن النذر مؤثر في تحصيل غرضه المعلق عليه‏.‏ والظاهر أنه أعم، لقوله‏:‏ «وإنما يستخرج به من البخيل» والله أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قيد بالنوافل فأفاد أن الأفضل في السنن عدم نذرها، ولعل وجه أن السنن هي ما كان يفعلها صلى الله عليه وسلم قبل الفرائض أو بعدها، والمطلوب من اتباعه صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي كان يفعلها عليه ولم ينقل أنه كان ينذرها، ولذا قيل بأنها لا تكون هي السنة، فالأفضل عدم نذرها، والله أعلم ‏(‏قوله وإلا كفر‏)‏ أي بأن استخف فيقول هي فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا لا أفعله شرح المنية وغيره، وهذا في الترك؛ وأما الإنكار فقدمنا الكلام عليه أول الباب‏.‏ ‏(‏قوله والأفضل في النفل إلخ‏)‏ شمل ما بعد الفريضة وما قبلها لحديث الصحيحين‏:‏ «عليكم الصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وأخرج أبو داود‏:‏ «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» وتمامه في شرح المنية، وحيث كان هذا أفضل يراعى ما لم يلزم منه خوف شغل عنها لو ذهب لبيته، أو كان في بيته ما يشغل باله ويقلل خشوعه، فيصليها حينئذ في المسجد لأن اعتبار الخشوع أرجح‏.‏ ‏(‏قوله غير التراويح‏)‏ أي لأنها تقام بالجماعة ومحلها المسجد، واستثنى في شرح المنية أيضا تحية المسجد، وهو ظاهر‏.‏ أقول‏:‏ ويستثنى أيضا ركعتا الإحرام والطواف، فإن الأولى تصلى في مسجد عند الميقات إن كان كما في اللباب والثانية عند المقام، وكذا ركعتا القدوم من السفر بخلاف إنشائه فإنها تصلى في البيت كما يأتي وكذا نفل المعتكف وكذا ما يخاف فوتها بالتأخير وكذا صلاة الكسوف لأنها تصلى بجماعة‏.‏

مطلب سنة الوضوء

‏(‏قوله وندب ركعتان بعد الوضوء‏)‏ لحديث مسلم‏:‏ «ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» خزائن، ومثل الوضوء الغسل كما نقله ط عن الشرنبلالي، ويقرأ فيهما الكافرون والإخلاص كما في الضياء، وانظر هل تنوب عنهما صلاة غيرهما كالتحية أم لا‏؟‏ ثم رأيت في شرح لباب المناسك أن صلاة ركعتي الإحرام سنة مستقلة كصلاة استخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها، بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في الحجة‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب سنة الضحى

‏(‏قوله وندب أربع إلخ‏)‏ ندبها هو الراجح كما جزم به في الغزنوية والحاوي والشرعة والمفتاح والتبيين وغيرها، وقيل لا تستحب، لما في صحيح البخاري من إنكار ابن عمر لها ا هـ‏.‏ إسماعيل، وبسط الأدلة على استحبابها في شرح المنية، ويقرأ فيها سورتي الضحى كما في الشرعة أي سورة - والشمس - وسورة - والضحى - وظاهره الاقتصار عليهما، ولو صلاها أكثر من ركعتين‏.‏ ‏(‏قوله من بعد الطلوع‏)‏ عبارة شرح المنية من ارتفاع الشمس‏.‏ ‏(‏قوله ووقتها المختار‏)‏ أي الذي يختار ويرجح لفعلها وهذا عزاه في شرح المنية إلى الحاوي، وقال‏:‏ لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم‏.‏ وترمض بفتح التاء والميم‏:‏ أي تبرك من شدة الحر في أخفافها‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفي المنية أقلها ركعتان‏)‏ نقل الشيخ إسماعيل مثله عن الغزنوية والحاوي والشرعة والسمرقندية، وما ذكره المصنف مشى عليه في التبيين والمفتاح والدرر‏.‏ ودليل الأول «أنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة بركعتين» كما في صحيح البخاري‏.‏ ودليل الثاني «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله» رواه مسلم وغيره‏.‏ والتوفيق ما أشار إليه بعض المحققين أن الركعتين أقل المراتب والأربع أدنى الكمال ‏(‏قوله وأكثرها اثنا عشر‏)‏ لما رواه الترمذي والنسائي بسند فيه ضعف أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة» وقد تقرر أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الفضائل شرح المنية‏.‏ وقيل أكثرها ثمانية، وعزاه في الحلية إلى الإمام أحمد، وعزاه بعض الشافعية إلى الأكثرين‏.‏ ‏(‏قوله كما في الذخائر الأشرفية‏)‏ اسم كتاب لابن الشحنة مؤلف في الألغاز الفقهية‏.‏ ‏(‏قوله لثبوته إلخ‏)‏ جواب عما أورد‏:‏ فكيف يكون أوسطها أفضل مع أن الأكثر مشتمل على الأوسط وزيادة وفيه زيادة مشقة‏؟‏‏.‏ ‏(‏قوله كما أفاده ابن حجر إلخ‏)‏ حيث قال‏:‏ ولا يتصور الفرق بين الأفضل والأكثر إلا فيمن صلى الاثني عشر بتسليمة واحدة فإنها تقع نفلا مطلقا عند من يقول إن أكثر سنة الضحى ثماني ركعات، فأما إذا فصلها فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاة اثني عشر في حقه أفضل من ثمان لكونه أتى بالأفضل وزاد‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وحاصله أن من قال بأن أكثرها ثماني ركعات لعدم ثبوت الزيادة عنده لو صلاها اثنتي عشرة بتسليمة لم تقع عن سنة الضحى لنيته خلاف المشروع فالأفضل عنده صلاتها ثماني ركعات، وأما على قول من يقول أكثرها اثنتا عشرة ركعة لجواز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال كما مر تكون هي الأفضل، كما لو فصلها كل ركعتين أو أربع بتسليمة عند الكل‏.‏ وملخصه أن كون الثمانية أفضل مبني على القول بأنها أكثرها لعدم ثبوت الزيادة، وحينئذ فلا يخفى عليك ما في كلام الشارح حيث مشى على أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة وجعل أوسطها أفضل‏.‏ على أنا لو قلنا إن الثمانية هي الأكثر، فتقييد أفضليتها على الاثنتي عشرة بما إذا صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة لتقع نفلا مطلقا لا يوافق قواعد مذهبنا، بل تقع عما نوى على قواعدنا؛ كما لو صلى الظهر ست ركعات مثلا وقعد على رأس الرابعة فإن الركعتين الزائدتين لا تغير ما قبلها عن صفة الفرضية لصحة البناء على تحريمة الفرض والنفل عندنا، ونية العدد لا تضر ولا تنفع، فإذا صلى الضحى أكثر من ثمانية يقع الزائد نفلا مطلقا لا الكل بلا فرق بين وصلها وفصلها، نعم في وصلها كراهة الزيادة على أربع بتسليمة واحدة في نفل النهار، وهو مكروه وإن لم يزد على أكثر الضحى، فلا يظهر حينئذ كون الثمانية أفضل‏.‏ وقد أجاب بعض الشافعية بأن أفضلية الثمانية للاتباع أي لأنها ثابتة بالأحاديث الصحيحة فيترجح فيها الاتباع للشارع بخلاف الزيادة لضعف حديثها، لكن يرد عليه أن صلاة الأكثر متضمنة للأوسط الذي فيه الاتباع إلا أن يبنى أيضا على القول بأن الثمانية هي الأكثر‏.‏ وعلى أنه لو صلاها أكثر بتسليمة تقع نفلا مطلقا لا عما نوى أو يقال‏:‏ معناه أن كل شفع من الثمانية أفضل من كل شفع من الزائد لا بالنظر إلى المجموع فهذا غاية ما تحرر لي هنا، والله أعلم‏.‏

مطلب في ركعتي السفر

‏(‏قوله ركعتا السفر والقدوم منه‏)‏ عن مقطم بن المقدام قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا» رواه الطبراني‏.‏ وعن كعب بن مالك «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه» رواه مسلم شرح المنية‏.‏ ومفاده اختصاص صلاة ركعتي السفر بالبيت، وركعتي القدوم منه بالمسجد وبه صرح الشافعية‏.‏

مطلب في صلاة الليل

‏(‏قوله وصلاة الليل‏)‏ أقول‏:‏ هي أفضل من صلاة النهار كما في الجوهرة ونور الإيضاح، وقد صرحت الآيات والأحاديث بفضلها والحث عليها‏.‏ قال في البحر‏:‏ فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا‏:‏ «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» وروى الطبراني مرفوعا‏:‏ «لا بد من صلاة الليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل» وهذا يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قد صرح بذلك في الحلية، ثم قال فيها بعد كلام‏:‏ ثم غير خاف أن صلاة الليل المحثوث عليها هي التهجد‏.‏ وقد ذكر القاضي حسين من الشافعية أنه في الاصطلاح التطوع بعد النوم، وأيد بما في معجم الطبراني من حديث الحجاج بن عمرو رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد المرء يصلي الصلاة بعد رقدة» غير أن في سنده ابن لهيعة وفيه مقال، لكن الظاهر رجحان حديث الطبراني الأول لأنه تشريع قولي من الشارع صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا، وبه ينتفي ما عن أحمد من قوله قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ أقول‏:‏ الظاهر أن حديث الطبراني الأول بيان لكون وقته بعد صلاة العشاء، حتى لو نام ثم تطوع قبلها لا يحصل السنة، فيكون حديث الطبراني الثاني مفسرا للأول، وهو أولى من إثبات التعارض والترجيح لأن فيه ترك العمل بأحدهما ولأنه يكون جاريا على الاصطلاح ولأنه المفهوم من إطلاق الآيات والأحاديث ولأن التهجد إزالة النوم بتكلف مثل‏:‏ تأثم أي تحفظ عن الإثم؛ نعم صلاة الليل وقيام الليل أعم من التهجد، وبه يجاب عما أورد على قول الإمام أحمد هذا ما ظهر لي، والله أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ظاهر ما مر أن التهجد لا يحصل إلا بالتطوع؛ فلو نام بعد صلاة العشاء ثم قام فصلى فوائت لا يسمى تهجدا وتردد فيه بعض الشافعية‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن تقييده بالتطوع بناء على الغالب وأنه يحصل بأي صلاة كانت لقوله في الحديث المار ‏{‏وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل» ثم اعلم أن ذكره صلاة الليل من المندوبات مشى عليه في الحاوي القدسي‏.‏ وقد تردد المحقق في فتح القدير في كونه سنة أو مندوبا، لأن الأدلة القولية تفيد الندب؛ والمواظبة الفعلية تفيد السنية لأنه صلى الله عليه وسلم إذا واظب على تطوع يصير سنة؛ لكن هذا بناء على أنه كان تطوعا في حقه، وهو قول طائفة‏.‏ وقالت طائفة‏:‏ كان فرضا عليه فلا تفيد مواظبته عليه السنية في حقنا لكن صريح ما في مسلم وغيره عن عائشة أنه كان فريضة ثم نسخ، هذا خلاصة ما ذكره ‏"‏ ومفاده اعتماد السنية في حقنا لأنه صلى الله عليه وسلم واظب عليه بعد نسخ الفرضية، ولذا قال في الحلية‏:‏ والأشبه أنه سنة ‏(‏قوله وأقلها على ما في الجوهرة ثمان‏)‏ قيد بقوله على ما في الجوهرة لأنه في الحاوي القدسي قال‏:‏ يصلي ما سهل عليه ولو ركعتين والسنة فيها ثماني ركعات بأربع تسليمات ا هـ‏.‏ والتقييد بأربع تسليمات مبني على قول الصاحبين، وأما على قول الإمام فلا كما ذكره في الحلية، وقال فيها أيضا، وهذا بناء على‏:‏ «أن أقل تهجده صلى الله عليه وسلم كان ركعتين، وأن منتهاه كان ثماني ركعات» أخذا مما في مبسوط السرخسي‏.‏ ثم ساق تبعا لشيخه المحقق ابن الهمام الأحاديث الدالة على ما عينه في المبسوط من منتهاه، وحديث أبي داود الدال على أن‏:‏ «أقل تهجده صلى الله عليه وسلم أربع سوى ثلاث الوتر»، وتمام ذلك فيها فراجعها، لكن ذكر آخرا عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال المنذري صحيح على شرط الشيخين‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فينبغي القول بأن أقل التهجد ركعتان وأوسطه أربع وأكثره ثمان، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ولو جعله أثلاثا إلخ‏)‏ أي لو أراد أن يقوم ثلثه وينام ثلثيه فالثلث الأوسط أفضل من طرفيه لأن الغفلة فيه أتم والعبادة فيه أثقل ولو أراد أن يقوم نصفه وينام نصفه فقيام نصفه الأخير أفضل لقلة المعاصي فيه غالبا وللحديث الصحيح‏:‏ «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» ومعنى ينزل ربنا ينزل أمره كما أوله به الخلف وبعض أكابر السلف، وتمامه في تحفة ابن حجر، وذكر أن الأفضل من الثلث الأوسط السدس الرابع والخامس للخبر المتفق عليه‏:‏ «أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه»‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه جزم في الحلية‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

ذكر في الحلية أيضا ما حاصله‏:‏ أنه يكره ترك تهجد اعتاده بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر ‏{‏يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه» متفق عليه، فينبغي للمكلف الأخذ من العمل بما يطيقه كما ثبت في الصحيحين، ولذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» رواه الشيخان وغيرهما‏.‏

مطلب في إحياء ليالي العيدين والنصف وعشر الحجة ورمضان

‏(‏قوله وإحياء ليلة العيدين‏)‏ الأولى ليلتي بالتثنية‏:‏ أي ليلة عيد الفطر، وليلة عيد الأضحى‏.‏ ‏(‏قوله والنصف‏)‏ أي وإحياء ليلة النصف من شعبان‏.‏ ‏(‏قوله والأول‏)‏ أي وليالي العشر الأول إلخ‏.‏ وقد بسط الشرنبلالي في الإمداد ما جاء في فضل هذه الليالي كلها فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله ويكون بكل عبادة تعم الليل أو أكثره‏)‏ نقل عن بعض المتقدمين، قيل هو الإمام أبو جعفر محمد بن علي أنه فسر ذلك بنصف الليل وقال ‏"‏ من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل ‏"‏ وذكر في الحلية أن الظاهر من إطلاق الأحاديث الاستيعاب، لكن في صحيح مسلم عن عائشة قالت ‏"‏ ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح ‏"‏ فيترجح إرادة الأكثر أو النصف، لكن الأكثر أقرب إلى الحقيقة ما لم يثبت ما يقتضي تقديم النصف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الإمداد‏:‏ ويحصل القيام بالصلاة نفلا فرادى من غير عدد مخصوص، وبقراءة القرآن، والأحاديث وسماعها، وبالتسبيح والثناء، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم الحاصل ذلك في معظم الليل وقيل بساعة منه‏.‏ وعن ابن عباس رضي الله عنهما بصلاة العشاء جماعة، والعزم على صلاة الصبح جماعة، كما قالوه في إحياء ليلتي العيدين‏.‏ وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله»‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

أشار بقوله فرادى إلى ما ذكره بعد في متنه من قوله ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد، وتمامه في شرحه، وصرح بكراهة ذلك في الحاوي القدسي‏.‏ قال‏:‏ وما روي من الصلوات في هذه الأوقات يصلى فرادى غير التراويح‏.‏